سورة الرعد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله عز وجل: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي: يُوسِّع على من يشاء ويُضيقُ على من يشاء.
{وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني: مشركي مكة أَشروا وبَطَروا، والفرح: لذة في القلب بِنَيْل المشتهى، وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا حرام.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ} أي: قليل ذاهب. قال الكلبي: كمثل السُكرجةِ والقَصعة والقدَح والقِدرِ ينتفع بها ثم تذهب.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة، {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي: يهدي إليه من يشاء بالإنابة. وقيل: يرشدُ إلى دينه من يرجع إليه بقلبه.
{الَّذِينَ آمَنُوا} في محل النصب، بدل من قوله: {من أَنَابَ}، {وَتَطْمَئِنُّ} تسكن، {قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} قال مقاتل: بالقرآن، والسُّكون يكون باليقين، والاضطراب يكونُ بالشك، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين.
قال ابن عباس: هذا في الحَلِفِ، يقول: إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قلوبُ المؤمنينَ إليه.
فإن قيل: أليس قد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِر اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال- 2] فكيف تكونُ الطمأنينةُ والوَجَل في حالةٍ واحدةٍ؟
قيل: الوَجَل عند ذكر الوعيد والعقاب، والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وثوابه وكرمه.


{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ابتداءٌ، {طُوبَى لَهُمْ} خبره.
واختلفوا في تفسير {طُوبَى}.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: فَرَحٌ لهم وقُرّةُ عين.
وقال عكرمة: نِعْمَ مالهم.
وقال قتادة: حسنى لهم.
وقال معمر عن قتادة: هذه كلمة عربية، يقول الرجل للرجل: طوبى لك، أي: أصبت خيرا.
وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة.
وقال الفراء: أصله من الطيب، والواو فيه لضمة الطاء، وفيه لغتان، تقول العرب: طوباك وطوبى لك أي: لهم الطيب.
{وَحُسْنُ مَآبٍ} أي: حسن المنقلب.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: طوبى اسم الجنة بالحبشية.
قال الربيع: هو البستان بلغة الهند.
وروي عن أبي أمامة وأبي هريرة وأبي الدرداء قالوا: طوبى شجرة في الجنة تُظِلُّ الجنانَ كلها. وقال عبيد بن عمير: هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل دار وغرفةٍ غصن منها لم يخلق الله لوناً ولا زهرةً إلا وفيها منها إلا السواد، ولم يخلق الله تعالى فاكهةً ولا ثمرة إلا وفيها منها. تنبع من أصلها عينان: الكافور والسلسبيل.
قال مقاتل: كل ورقة منها تُظِلُّ أمة عليها مَلَكٌ يُسبِّح الله عز وجل بأنواع التسبيح.
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى؟ قال: «شجرةٌ في الجنة مسيرة مائة سنة، ثيابُ أهل الجنة تخرجُ من أكمَامِها».
وعن معاوية بن قُرّة عن أبيه يرفعه: «طوبى شجرةٌ غرسها الله تعالى بيده، ونفخَ فيها من رُوحه، تنبت الْحُلِيَّ والحُلَل وإن أغصانها لَتُرى من وراء سُور الجنة».
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زيادٍ مولى بني مخزوم، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إنّ في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلِّها مائة سنةٍ لا يقطعها اقرؤوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة- 30] فبلغ ذلك كعباً فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، لو أنّ رجلا ركب حقّةً أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هَرِماً، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من رُوحه، وإنّ أفنانها لمن وراءِ سور الجنة، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة.
وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يقول الله عز وجل لها: تفتَّقِي لعبدي عما شئت فتنفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب.


قوله عز وجل: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ} كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة، {قَدْ خَلَتْ} مضت، {مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ} لتقرأ، {عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}.
قال قتادة، ومقاتل، وابن جريج: الآية مدنية نزلت في صُلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: اكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم»، قالوا: لا نعرف الرّحمن إلا صاحب اليمامة- يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب كما كنتَ تكتب: «باسمك اللهم»، فهذا معنى قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}.
والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحِجْر يدعُو يا الله يا رَحمن، فرجع إلى المشركين فقال: إن محمداً يدعو إلهين؛ يدعو الله، ويدعو إلهاً آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء- 110].
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ قال الله تعالى: {قُلْ} لهم يا محمد إنَّ الرحمن الذي أنكرتم معرفته، {هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعتمدتُ {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} أي: توبتي ومرجعي.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10